■ فلاحة ترفع حجابها بيد وتستند باليد الأخرى على «أبوالهول»، ذلك هو تمثال نهضة مصر سنة ١٩٢١.

بعدها بتسعين سنة تمثال «حوريات البحر» يتحجب على شاطئ الإسكندرية شاهداً على ونبوءة بنحت تمثال جديد اسمه «تخلف مصر»!!

■ فى العشرينيات من القرن الماضى ينادى الشيوخ من على منابر المساجد بعد صلاة الجمعة بدعم النحات الشاب محمود مختار فى مشروع تمثاله الرائع «نهضة مصر»، والمساهمة فى الاكتتاب الذى نجح فى تجميع ٦٥٠٠ جنيه من القرى والمدارس والمصانع والموظفين المصريين، لتخرج هذه التحفة الفنية إلى النور شاهداً على عصر التحضر والتنوير.

فى القرن الحادى والعشرين وبالتحديد سنة ٢٠١١ وبعد ثورة متحضرة غيرت مفاهيم الثورات فى العالم، ينادى داعية سلفى ومتحدث رسمى باسم جماعة السلفية ونجم إعلامى وخريج كلية هندسة بتغطية وجوه التماثيل الفرعونية لأنها أصنام حرام شرعاً تستحق الهدم والسحق، اقتداء بثوار طالبان عندما دمروا تمثال بوذا.

فى نهايات القرن قبل الماضى ولد طفل اسمه «محمود مختار» فى قرية منسية اسمها طنبارة بالمحلة الكبرى، كانت كل الظروف تؤهله لوراثة منصب العمدة والإشراف على الأرض الزراعية وانتظار الغلة والفلوس بعد الحصاد والبيع، ولكن موهبته الجبارة ومناخ التنوير والتحضر الذى عاشته مصر فى بدايات القرن العشرين، والذى جعل من أمير اسمه يوسف كمال الذى من المفروض أن يعيش ويستمتع بحياة الأبهة والترف والدعة والكسل والتخمة، يقوم بإنشاء - وفى درب الجماميز - كلية للفنون الجميلة، يلتحق مختار ابن المحلة بأول دفعاتها بل يخصص له مرسم لممارسة موهبة النحت وتنميتها وعرض منحوتاته المبهرة به، بل الأكثر دهشة أن يرسله هذا الأمير إلى باريس لمواصلة الدراسة والتعلم وصقل الموهبة!!

فى بدايات القرن الحادى والعشرين يتدروش المجتمع المصرى ويثور أبناؤه على قسم النحت ويحرمون الالتحاق به، ويخلو قسم النحت من الطلبة ويصبح صحراء جرداء يتسول من يجلس فى مدرجاته ويحضر دروسه، بل يطالب البعض وسط صمت، وأحياناً تواطؤ أساتذة ومسؤولين، بتكسير تماثيل الكلية والمناداة برسم المناظر الطبيعية فقط والبعد عن تجسيد ما فيه روح والاقتصار على لوحات الخط العربى!

■ لابد من التعاون بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة على تنظيم رحلات منتظمة من جميع مدارس مصر إلى متحف النحات العبقرى محمود مختار، خاصة أن على رأس وزارة الثقافة الآن ابن بدر الدين أبوغازى أعظم من كتب عن مختار، لابد لهذا الجيل أن يشاهد يمتع عيناه ويرتوى وجدانه بتماثيل حاملة الجرة ورأس سعد زغلول وحارس الحقول وشيخ البلد والحزن والعودة من النهر وعلى ضفاف النيل وإيزيس والخماسين وكاتمة الأسرار....الخ، لابد أن يرى هذا الجيل إبداع هذا العبقرى الجميل الذى فعل وأبدع وأنجز كل هذا فى ٤٣ سنة فقط هى مساحة عمره منذ ميلاده ١٨٩١ حتى رحيله ١٩٣٤!!